لم تكن ضغوط الدول الامبريالية التوسعية أمثال فرنسا وإسبانيا وبريطانيا وكذا ألمانيا هي السبب الوحيد وراء ضعف وتقهقر المغرب بداية القرن العشرين، ليخضع في الأخير للحماية الفرنسية والإسبانية، بل هناك أحداث أخرى عرفها المغرب قبيل هذه المرحلة.
فقد عرف المغرب مشكل كبير جدا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر المتمثل في الحماية القنصلية التي كانت تنتشر في البلاد كما ينتشر السرطان في جسم المصاب، وهذه الحماية القنصلية تعتبر خطة سياسية جديدة في ذالك الوقت للتدخل الأجنبي وتفكيك العالم العربي، وقد تم تفعيلها في المغرب بشكل نموذجي، خاصة بعد معاهدة 1856م مع بريطانيا التي كانت الحجر الأساسللامتيازات التي نالتها الدول الأخرى، وتتلخص الحماية القنصلية في منح الدبلوماسيين والقناصل الأوربيين المعتمدين في المغرب، حماية دولهم لرعايا مغاربة، فيصبحون وهم يعيشون على أرض المغرب ويحملون جنسيته غيرخاضعين لقوانينه، متملصين من أداء الضرائب وغيرها من الواجبات المفروضة على بقية المغاربة.
وبذلك يكون السلطان المولى الحسن قد وجد أحوال الرعية مضطربة وأعين الدول متطلعة مترقبة والامتيازات الأجنبية قائمة وأصوات المحتمين بالصخب مرتفعة.
وهكذا فقد دخل تحت هذه الحماية القنصلية عامة الناس وخاصتهم وموظفي المخزن من قواد وعمال وكذا شيوخ القبائل والزوايا أمثال الشريف عبد السلام الوزاني الذي احتمى بفرنسا، وشيخ زاوية تامصلوحت محمد بن سعيد المصلوحي الذي دخل تحت الحماية البريطانية، فالتحق بهما الأتباع والمريدين، كما انضوى تحتها كبار التجار والأثرياء، وكان اليهود المغاربة أول المستفيدين من الحماية القنصلية للتخلص من وضعية أهل الذمة.
وقد صار هؤلاء المحميين كالأوربيين يقضي بينهم القناصل ويفصلون دعاويهم بحيث لم تبق لهم علاقة مع المحاكم الأهلية إلا فيما يخص الملك، وههكذا تحولت الحماية القنصلية سلعة في أيدي الأوربيين يتاجرون فيها. وقد صور المولى الحسن هذه الحالة أصدق تصوير لما قال للنائب محمد بركاش: "إن إدارتنا تكاد لا تجد في البلاد من هو باق تحت سلطانها"، من كثرة ما منحته الدول الأجنبية من حمايات غير مشروعة.
ونافلة القول، أن كل من دخل في الحماية القنصلية خلال هذه المرحلة ساهم في زيادة تأزم أوضاع المغرب، فلم يعد للمخزن المغربي أي سلطة على أفراد مجتمعه والمستفيدين من هذه الحماية كان هدفهم تحقيق مصالح شخصية والاستفادة من الامتيازات الكبيرة التي كانت تمنح لأصحابها، ويمكن أن نقول أن فقط ضعاف النفوس الذين ليست لديهم غيرة على البلاد من احتمى بإحدى الدول الأوربية أمثال اليهود المغاربة، وكذا بعض شيوخ الزوايا. وهكذا يحق لنا أن نقول أن المغرب فعلا انتحر بيد أبنائه.
المصادر والمراجع:
انظر:
عبد الرحمن بن زيدان: "إتحاف أعلام الناس في أخبار حاضرة مكناس".
محمد المنوني: " مظاهر يقضة المغرب الحديث"
خالد بن الصغير: " بريطانيا وإشكالية الإصلاح في المغرب 1886 – 1912".
الطيب بن اليماني بوعشرين: " التنبيه المعرب عما عليه الآن حال المغرب".
ثريا برادة: " الجيش المغربي وتطوره في القرن التاسع عشر".
***********************
***********************