-->
فضاء الإجتماعيات فضاء الإجتماعيات

معركة إيسلي .. وحدة المصير المغاربي

تعد معركة إيسلي حدثا تاريخيا بارزا باعتباره دشن مرحلة جديدة في تاريخ المغرب الأقصى. وتعتبر هذه المعركة واحدة من المواقف التاريخية التي تشهد على مدى التزام المغرب إزاء جيرانه بالمغرب العربي وخاصة تجاه جارته الجزائر وصدق تضحياته وتضامنه مع أبنائها من المجاهدين الذين قاوموا من أجل وحدتها واستقلالها في أحلك الظروف التي مرت بها خلال القرنين التاسع عشر والعشرين. 


فبسبب مساعدة المغرب للمقاومة الجزائرية، تدخلت فرنسا بأسطولها وقصفت مدينة طنجة في 6 غشت 1844، ثم مدينة الصويرة في11 غشت. وفي 14 غشت وقعت معركة إيسلي التي انهزم فيها المغرب وانكشف ضعفه.
لقد كان السلطان مولاي عبد الرحمان بن هشام تربطه علاقة بيعة وولاء مع الأمير عبد القادر وسكان تلمسان ونواحيها بالغرب الجزائري، لدى اعتبر أن من مسؤولياته الاهتمام بشؤون الأمة والدفاع عنها. فوجه السلطان إنذارا إلى الدول الأوروبية بتاريخ8 شتنبر1785 جاء فيه أن "الذي قبل كلامنا من الدول ولم يدخل الجزائر فنحن معهم على الصلح والمهادنة كما كنا، والذي أراد منهم دخول الجزائر ومراسيها ولم يمتثل ما أمرنا به فنحن معهم على المحاربة".
ولم يتوان السلطان المولى عبد الرحمان عن تقديم المساعدة للجزائريين وخاصة من أبناء مدينة تلمسان لمواجهة الاحتلال الفرنسي، فكانت المعدات من الأسلحة والذخيرة والخيام والخيول ترسل إليهم من المغرب، وكانت بنادق المجاهدين الجزائريين تصنع في معامل فاس ومكناس ومراكش وتطوان، بل إن علماء المغرب كانوا يصدرون الفتاوى لدعم هذه المساندة في وجه المحتل الأجنبي. وأشار تقرير للدبلوماسية الفرنسية الصادر بطنجة يوم 13 يوليو 1830 لهذا: "إن سقوط الجزائر الذي تم الإعلان عنه في خبر الساعة الرابعة قد أثار البلبلة وسط المغاربة" .
وأمام تمادي سلطات الاحتلال الفرنسي في سياسة "الأرض المحروقة" وملاحقتها للثوار الجزائريين وشنها حملات ضد قبائل الحدود داخل التراب المغربي، توجه الجنود المغاربة بقيادة ابن السلطان وخليفته سيدي محمد لملاقاة العدو و كان الجيش المغربي يعوزه التنظيم والتسلح بسلاح المدفعية وفرق المشاة(على عكس في معركة وادي المخازين حيث كان المغرب متفوقا) فاقتصرت قوته الأساسية على عناصر الفرسان. إذ اعتمدت السرايا المشكلة أساسا من مقاتلين لا يتجاوز عدد السرية الواحدة ثلاثين مقاتلا على المهاجمة الاندفاعية لندها.
فانهزم الجيش المغربي سريعا وسحق من طرف مدفعية العدو في لحظة خاطفة. وفي الجهة الغربية قام أسطول الأمير جوانفيل بقصف مدينتي طنجة والصويرة. وعلى إثر ذلك وجد السلطان مولاي عبد الرحمان نفسه بين كماشتين من النيران مما اضطره للإنصياع لرغبة الفرنسيين.

الدروس المستفاذة من معركة إيسلي

كان المغرب مركز إشعاع ديني وحضاري وقبلة لطالبي أسباب القوة في المعرفة والعلم وظل المغرب لقرون طويلة قوة سياسية لها هيبتها وتأثيرها وإشعاعها الحضاري. غير أنه مع بداية القرن التاسع عشر ظهرت معالم الضعف والتراجع مع نهاية عصر المرينيين، وتزامن ذلك مع بداية النهضة الأوروبية.
فالديون والتدفق غير المنقطع للسلع الأوروبية والمجاعات والأوبئة بدأت تنخر الحكم والقاعدة الاجتماعية التقليدية. وعجز المغرب عن مقاومة الضغوط الاستعمارية لفرنسا نظرا لعدم وجود جيش قوي ومدرب جيدا ومالية نظيفة.
كما جمدت الحياة الثقافية والفكرية، وضعفت الدولة المركزية وفقدت سيطرتها على الأطراف وعادت عوامل التفرقة القبلية وسيطر التقليد في مجال الفكر، وجمدت حركة الاجتهاد وصار ينظر إلى أية محاولة للتجديد والتحديث باعتبارها بدعة منكرة.
فتأكد الاستعمار الغربي أن المغرب لم يبقى بتلك الصورة المخيفة من القوة والتنظيم التي كان يعتقد. فسقط من عينيه واستصغره حتى صار يملي عليه من الشروط ما يريد في ما تلا لمعركة إيسلي من اتفاقيات مشروطة، كاتفاقية لالة مغنية 1845 التي ترتب عليها ما ترتب من مشاكل معقدة ومتعددة في ما بعد.
لقد كانت هزيمة إيسلي حدثا تاريخيا بارزا باعتباره دشن مرحلة جديدة في تاريخ المغرب الأقصى.

نتائج معركة إيسلي
من أخطر نتائج معركة إيسلي:
- فرضت فرنسا على المغرب معاهدة للامغنية سنة 1845التي تركت الحدود مبهمة بين المغرب وفرنسا بالجزائر. وقد تعمدت فرنسا ذلك لتتمكن فيما بعد من التوغل بالمغرب.
- في1848 إحتلت إسبانيا الجزر الجعفرية ووسعت نفوذها انطلاقا من سبتة ومليلية، مما أدى إلى معركة تطوان(1859-1860) حيث تم احتلال مدينة تطوان في 6 فبراير1860. وأبرم المغرب صلحا مع إسبانيا يوم26 أبريل من نفس السنة، وفق شروط قاسية كالموافقة على توسيع حدود سبتة ومليلية وغرامة مالية(100 مليون بسيطة=20 مليون ريال). وسبب ذلك في إفراغ خزينة المغرب وتنازله عن 50% من مداخيله الجمركية لصالح إسبانيا.
- التجأ المغرب إلى الاقتراض من إنجلترا مقابل التنازل لها عن 25% من رسومه الجمركية، وبذلك أصبحت مداخيل المغرب الجمركية تحت مراقبة الأجانب. ففرضت بريطانيا على المغرب معاهدة تجارية سنة 1856 حصلت بموجبها على امتيازات ضريبية وقضائية.
- اتفاقية مدريد سنة 1880 لتؤكد الامتيازات الأوربية بالمغرب وتضفي عليها صبغة قانونية ولتعمل على "تدويل القضية المغربية".
ختاما، لقد أظهر الاحتلال الفرنسي للجزائر، قوة الروابط المعنوية والمادية بين الشعبين في المغربين الأوسط والأقصى، حيث وجه سكان منطقة تلمسان البيعة لسلطان المغرب، ودعم المغاربة حركة الأمير عبد القادر في مواجهة الاحتلال بما جر عليهم هزيمة عسكرية بشروط سياسية قاسية.
إن المشاكل الحالية بين المغرب والجزئر لن تحل إلا بتفاهم داخلي و بإيمان الجميع بأنه مهدد الإبادة الحضارية والبلقنة .

الاستاذ: علي ايت الحاج علي 


***********************


***********************

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

فضاء الإجتماعيات

2016