تفاوت النمو بين الشمال
والجنوب
المجال المتوسطي نموذجا
إشكالية الوحدة:
يعتبر المجال المتوسطي نموذجا عن التباين بين دول الشمال ودول الجنوب، حيث يسجل تفاوتا بين ضفتيه الشمالية والجنوبية، الأمر الذي دفع بلدانه للبحث عن آليات للتخفيف من هذا التفاوت.
فما موقع المجال المتوسطي داخل المجال العالمي وما خصائصه الطبيعية والبشرية؟ وما مظاهر التفاوت بين ضفتيه الشمالية والجنوبية؟ وما أوجه التعاون الأورومتوسطي؟ وما حصيلة كل ذلك؟
1/ المجال المتوسطي ومظاهر التفاوت بين شماله وجنوبه
1-1/ خصائص المجال المتوسطي ومميزاته الطبيعية والبشرية
+ خصائص الموقع الجغرافي:
يضم المجال المتوسطي كل البلدان المطلة على البحر الأبيض المتوسط، ويحتل موقعا استراتيجيا من العالم ويتحكم في مضايق حيوية هي جبل طارق والدردنيل وفي قناة السويس، وهذا المجال يتكون من ضفتين كالتالي:
ضفة شمالية: تضم دولا أوربية متقدمة (البرتغال، إسبانيا، فرنسا، إيطاليا) ودول أخرى تنتمي لمجموعة البلدان الاشتراكية سابقا وهي في مرحلة التحول نحو اقتصاد السوق
ضفة جنوبية: تضم دولا أفروآسيوية، نميز فيها بين دول متوسطة النمو الاقتصادي (المغرب، تونس، مصر، سوريا، لبنان) وبلدان صاعدة (تركيا) وبلدان ذات اقتصاد ريعي (الجزائر وليبيا)
+ الخصائص الطبيعية للمجال المتوسطي:
- التضاريس: بالضفة الشمالية تضاريس متنوعة بين سهول وهضاب وسلاسل جبلية (الألب، البرانس) وبالضفة الجنوبية سيادة التضاريس الصحراوية وسلسلة جبال الأطلس بشمال غرب إفريقيا وجبال طوروس بشبه جزيرة الأناضول.
- المناخ: بالضفة الشمالية مناخ متوسطي على السواحل ومناخ محيطي على الواجهة الغربية وقاري بالداخل، وبالضفة الجنوبية سيادة مناخ صحراوي في معظم المناطق ومناخ متوسطي على السواحل.
+ الخصائص الديمغرافية للمجال المتوسطي:
- الضفة الشمالية: عدد سكان أقل، معدل تزايد طبيعي منخفض، معدل أمد الحياة مرتفع، وهيمنة الفئات العمرية الشابة والمسنة.
- الضفة الجنوبية: عدد سكان أكثر، معدل تزايد طبيعي مرتفع بفعل ارتفاع معدل الولادات وانخفاض معدل الوفيات، معدل أمد الحياة أقل وهيمنة الفئات العمرية الشابة والفتية.
+ توزيع السكان داخل المجال المتوسطي:
- الضفة الشمالية: تعرف كثافات سكانية مرتفعة على السواحل ومتوسطة في الداخل.
- الضفة الجنوبية: تركز الكثافات السكانية المرتفعة على شكل شريط ساحلي ضيق (المغرب إلى تونس) وفي وادي النيل وفي شبه جزيرة الأناضول بينما باقي المناطق شبه فارغة.
1-2/ مظاهر التفاوت بين شمال وجنوب المجال المتوسطي
+ على مستوى الأنشطة الاقتصادية:
تتميز بلدان الشمال المتوسطي بسيادة فلاحة عصرية كثيفة موجهة نحو التسويق لذلك تعرف ارتفاعا في إنتاج الحبوب وفي عدد رؤوس الماشية مقارنة بالجنوب.
وعلى المستوى الصناعي تتركز ببلدان الشمال الصناعات المتطورة والحديثة وعالية التكنولوجية، بينما يغلب على النشاط الصناعي ببلدان الجنوب استخراج وتكرير البترول والغاز الطبيعي (الجزائر وليبيا) وبعض الصناعات المعدنية والاستهلاكية..
+ على مستوى المبادلات التجارية:
تتميز العلاقات التجارية بين شمال المجال المتوسطي وجنوبه بغياب التكافؤ، حيث تمثل مبادلات شمال المجال المتوسطي مع جنوبه نسبة 5% فقط من مجموع مبادلاته مع الخارج، بينما تمثل مبادلات جنوب المجال المتوسطي مع شماله نسبة 55% من مجموع مبادلاته مع الخارج. كما أن هذه المبادلات تفرز عجزا في الميزان التجاري بالنسبة لجل بلدان الجنوب.
- تتكون صادرات شمال المجال المتوسطي من الآلات والمعدات الميكانيكية والتجهيزات الكهربائية والسيارات بينما تتكون صادرات المجال الجنوبي من المحروقات والنسيج ثم المواد الفلاحية.
+ على مستوى المؤشرات السوسيو اقتصادية:
تسجل بلدان الشمال المتوسطي قيما تنموية مرتفعة، إذ يتجاوز الدخل الفردي بها عتبة 10000 دولار ويتجاوز مؤشر التنمية البشرية قيمة 0,8 أما نسبة التمدرس ومحو الأمية فتصل إلى أزيد من 90%.
أما بلدان الجنوب فالدخل الفردي بها لا يتجاوز 10000 دولار (إلا عند تركيا وليبيا) ومؤشر التنمية البشرية يتراوح بين 0,6 و 0,8 فيما تسجل نسب التمدرس ومحو الأمية قيما منخفضة.
2/ التعاون الأورومتوسطي
2-1/ مجالات التعاون الأورومتوسطي
+ تطور التعاون الأورومتوسطي:
- توقيع اتفاقيات للتعاون الاقتصادي والتجاري بين بلدان المجموعة الأوربية وبلدان المغرب والمشرق العربيين.
- توقيع اتفاقيات شراكة بين بلدان المجموعة الأوربية وبلدان جنوب شرق أوربا (تركيا 1963، مالطة 1972، قبرص 1973)
- تبني سياسة متوسطية جديدة (1992) تتجاوز المجالات الاقتصادية نحو تعاون شامل.
- تبني "إعلان برشلونة" (1995) كبرنامج للعمل المستقبلي من أجل الوصول إلى شراكة أورومتوسطية حقيقية.
+ مجالات التعاون الأورومتوسطي:
- في المجال السياسي والأمني: خلق منطقة للسلام والاستقرار السياسي، احترام حقوق الإنسان، إقرار الديمقراطية، ومحاربة الهجرة السرية وتهريب المخدرات والعنف السياسي.
- في المجال الاقتصادي والمالي: العمل على إنشاء منطقة للتبادل الحر وخلق منطقة حرة (2010)، تنمية المبادلات التجارية، تحقيق الاندماج الاقتصادي الجهوي، تقديم المساعدات المالية والقروض والاستثمارات (البنك الأوربي للاستثمار).
- في المجال الثقافي والاجتماعي: التقارب والتواصل، وتشجيع الحوار والتبادل الثقافي بين شعوب المنطقة، التواصل والتنسيق بين فعاليات المجتمع المدني، وضع برامج ثقافية مشتركة.
2-2/ حصيلة التعاون الأورومتوسطي
+ الحصيلة:
- اتفاقيات الشراكة: وحدة جمركية مع تركيا (1995)، اتفاقيات شراكة مع كل من تونس (1998) المغرب (2000) الأردن (2002) لبنان (2003) الجزائر (2005).
- مشاريع الشراكة: عبارة عن برنامج مالي أوربي لتمويل مشاريع الشراكة في البلدان الأعضاء في الاتفاق الأورومتوسطي على مرحلتين: ميدا I (1995-1999) وميدا II (2000-2006). وقد بلغ عدد المشاريع الممولة من طرف هذا الأخير 1713 مشروعا بقيمة 51719 مليون أورو.
- الاستثمارات: ساهم الاتحاد الأوربي بنسبة %20.7 من الاستثمارات الأجنبية في بلدان جنوب المتوسط. وارتفعت قيمة الاستثمارات الأوربية في بلدان الجنوب المتوسطي من 0.2 إلى 2.7 مليار أورو (1995- 2006).
+ الآفاق والتحديات:
- على مستوى واقع التعاون الأورومتوسطي: لازالت المبادلات التجارية فيما بين دول المجال المتوسطي ضئيلة لا تمثل سوى %15 من مجموع مبادلاتها الخارجية. ولا زال الاندماج الاقتصادي بين دول الجنوب المتوسطي دون مستوى الطموحات. ولم تحقق زيادة القدرة التنافسية ولا سياسة تحرير الاقتصاد النتائج المنشودة، مما يعرقل دخول الاستثمارات الأجنبية.
- على مستوى الآفاق المستقبلية: يواجه التعاون الأورومتوسطي مجموعة من المشاكل في مقدمتها مشكل الهجرة السرية نحو الشمال وضعف تدفق الاستثمارات، والسياسات الحمائية، وتعثر مسلسل السلام بالشرق الأوسط... مما يجعل النظرة إلى المستقبل تتراوح بين التشاؤم ( حرص الاتحاد الأوربي على مصالحه ومصالح الدول الأعضاء الجدد أكثر من الحرص على مشاكل الجنوب) والتفاؤل (اعتبار النتائج المحققة إيجابية رغم ضآلتها وإمكانية تطويرها مستقبلا من خلال سياسات جديدة (الاندماج بين دول الجنوب، تحرير الاقتصاد، نشر الديمقراطية...)
خلاصة
سيظل المجال المتوسطي نموذجا لعدم التكافؤ بين بلدان الشمال الغنية وبلدان الجنوب الفقيرة، ما لم تعمل بلدان الجنوب على تجاوز خلافاتها السياسية، وما لم تتجه بلدان الشمال نحو التركيز على التعاون الاقتصادي إلى جانب التعاون الأمني.