نظام
القطبية الثنائية والحرب الباردة
فرضت ظروف الحرب العالمية الثانية نوعا
من التعاون والتنسيق بين الحلفاء الغربيين والاتحاد السوفياتي في مواجهة دول
المحور. إلا أن هذا التحالف سينتهي مباشرة بعد الحرب ليسود جو من التوتر أفضى إلى
انقسام العالم في إطار نظام القطبية الثنائية إلى كتلتين توترت بينهما العلاقات في
إطار الحرب الباردة.
- فما هي ظروف بروز نظام القطبية
الثنائية؟
- ما هي طبيعة العلاقات
التي سادت بين الكتلتين الشرقية والغربية؟
1/ ظروف بروز نظام القطبية الثنائية
1-1/ تنسيق وتعاون ظرفي خلال الحرب
العالمية الثانية
عقد قادة الحلفاء الغربيين(روزفلت،
تشرشل) مع الاتحاد السوفياتي (ستالين) عدة مؤتمرات لتنسيق الخطط الحربية لمواجهة
دول المحور ووضع التصورات العامة للعالم ما بعد الحرب، إلا أن ذلك لم يمنع من بروز
عدة خلافات:
+ مؤتمر طهران (دجنبر 1943): الاتفاق على
فتح جبهة ثالثة ضد ألمانيا، وإنشاء منظمة دولية تحل محل عصبة الأمم. لكن وقع
الاختلاف حول موقع الجبهة الثالثة ضد ألمانيا، وحول مصير ألمانيا بعد الحرب.
+ مؤتمر يالطا (فبراير 1945): الاتفاق على
تقسيم ألمانيا إلى أربع مناطق نفوذ (سوفياتية، أمريكية، إنجليزية وفرنسية)، لكن
وقع خلاف حول طبيعة الحكم في بولونيا بعد الحرب.
+ مؤتمر بوتسدام (يوليوز 1945): الاتفاق
حول تسويات ومعاهدات ما بعد الحرب، لكن وقع خلاف حول طبيعة أنظمة الحكم التي
أقامها الاتحاد السوفياتي في دول أوربا الشرقية.
2-1/ اتجاه نحو الانقسام بعد الحرب
العالمية الثانية
قادت الخلافات بين الحلفاء الغربيين
والاتحاد السوفياتي نحو انقسام العالم إلى قطبين يتجاذبان مناطق النفوذ:
+ بالنسبة للاتحاد السوفياتي: شرع
ابتداء من 1944 في دعم ومساندة الأحزاب الشيوعية للوصول إلى السلطة في المناطق
التي حررها بأوربا الشرقية. وفرض بذلك ما اصطلح على تسميته بالستار الحديدي الذي
أصبح يقسم العالم إلى قسمين.
+ بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية:
بادرت بدورها إلى تقديم دعم اقتصادي لدول أوربا الغربية وتركيا واليونان في إطار
مشروع مارشال كمخطط لمحاصرة المد الشيوعي.
=> انقسام العالم إلى
كتلتين: كتلة شرقية بزعامة الاتحاد السوفياتي وكتلة غربية بقيادة الولايات المتحدة
الأمريكية: نظام القطبية الثنائية.
2/ الحرب الباردة الأولى (1947- 1963)
1-2/ ظروف بداية الحرب الباردة الأولى
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية توالت مجموعة من الأحداث أدت إلى دخول الكتلتين
الشرقية والغربية مرحلة الحرب الباردة الأولى:
+ أحداث براغ (فبراير 1948): تمثلت في
سيطرة الشيوعيين على السلطة بدعم من الاتحاد السوفياتي وإبعاد الوزراء والموظفين
غير الشيوعيين.
+ تنامي الحملات الدعائية: نهجت كل من الكتلتين سياسة
دعائية معادية للطرف الآخر:
- بالنسبة للاتحاد السوفياتي: يقود
الحركات العمالية وحركات التحرر ويرى في الكتلة الغربية مظاهر الهيمنة
الامبريالية.
- بالنسبة للولايات
المتحدة: ترفع شعار الحرية وترى في الكتلة الشرقية مظاهر هيمنة الأحزاب الشيوعية
بالقوة العسكرية وقمع الحريات.
2-2/ مظاهر الحرب الباردة الأولى
+ قطيعة سياسية واقتصادية: كون كل من الولايات
المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي تكتلا اقتصاديا مستقلا عن الطرف الآخر:
- دعمت الولايات المتحدة من خلال مشروع
مارشال تكتل دول أوربا الغربية الذي أفضى إلى قيام السوق الأوربية المشتركة.
- كون الاتحاد السوفياتي مع دول أوربا الشرقية
تكتلا اقتصاديا أفضى إلى قيام مجلس المساعدة الاقتصادية المتبادلة (الكوميكون).
+ تكوين تحالفات عسكرية: عقدت الولايات المتحدة عدة
تحالفات أهمها حلف شمال الأطلسي سنة 1949 مع كل من كندا، بريطانيا، فرنسا،
ألمانيا الغربية، إيطاليا، هولندا، بلجيكا، لوكسمبورغ، إيسلندا، النرويج،
الدانمارك، البرتغال، اليونان وتركيا. إلى جانب تحالفات مع قوى إقليمية مثل حلف
بغداد (العراق، تركيا، إيران) وحلف أنزوس (أستراليا، نيوزلندا). وبالمقابل
كون الاتحاد السوفياتي حلف وارسو سنة 1955 مع كل من بلغاريا، هنغاريا،
بولونيا، ألمانيا الشرقية، رومانيا وتشيكوسلوفاكيا.
+ التسابق نحو التسلح: إنتاج القنبلة النووية،
تطوير الصواريخ عابرة القارات والقنبلة الهيدروجينية.
=> امتلاك أسلحة إستراتيجية وأسلحة
الدمار الشامل= نظام توازن الرعب أي تجنب المواجهة المباشرة خوفا من تطورها نحو
اللجوء إلى استخدام أسلحة الدمار الشامل.
+ حدوث أزمات سياسية: اندلعت بين الكتلتين أزمات
كادت أن تؤدي إلى حرب جديدة، تمثلت في:
- أزمة برلين الأولى (أبريل 1948- ماي
1949): اندلعت عندما فرض الاتحاد السوفياتي حصارا على مناطق نفوذ الحلفاء الغربيين
في برلين.
- الحرب الكورية (1950- 1953): اندلعت
بسبب اجتياح قوات كوريا الشمالية لأراضي كوريا الجنوبية. انتهت بتوقيع هدنة.
- أزمة كوبا (أكتوبر 1962):
اندلعت بعد اكتشاف طائرات تجسس أمريكية قواعد سوفياتية لإطلاق الصواريخ بكوبا.
3/ تطور العلاقات الدولية من مرحلة
التعايش السلمي إلى نهاية الحرب الباردة الثانية
1-3/ خصائص مرحلة التعايش السلمي
(1963- 1979)
دخلت العلاقات الدولية مرحلة من
الانفراج عرفت بمرحلة التعايش السلمي من أبرز مظاهرها:
+
تغير السياسة السوفياتية تجاه المعسكر الرأسمالي: تبنى الحزب الشيوعي
السوفياتي مبدأ التعايش السلمي، وحدد مفهومه في تعايش نظامين متباينين، وتعويض
التنافس العسكري والسياسي بالتنافس في الميادين السلمية (الاقتصاد، العلوم،
الثقافة) بما يخدم مصالح الإنسانية.
+ تغير السياسة الأمريكية تجاه المعسكر
الشيوعي: تم
وقف الحملات العدائية ضد الشيوعية.
+ تكثيف اللقاءات بين زعماء المعسكرين: بعد مرحلة القطيعة تمت عدة
لقاءات بين الزعيم السوفياتي نيكيتا خروتشوف والرئيس الأمريكي أيزنهاور ومن بعده
الرئيس كينيدي.
+ توقيع اتفاقيات للحد من التسلح: جرت بين الكتلتين مفاوضات
أفضت إلى توقيع اتفاقيات حول: وقف التجارب النووية في الفضاء الكوني وأعماق البحار
سنة 1963، منع انتشار الأسلحة النووية سنة 1968، اتفاقية للحد من الأسلحة
الإستراتيجية ( SALT 1) سنة 1972.
+ تعاون وتنسيق في العديد من المجالات: في المجال العلمي بناء
المحطة الفضائية الدولية، في المجال السياسي اتفاقية هلسنكي سنة 1975 حول احترام
سيادة الدول ووحدتها الترابية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام حقوق
الإنسان...
# لم يمنع التعايش السلمي من
اندلاع أزمات وحروب مثل أزمة ربيع براغ 1968، وحرب لبنان ابتداء من 1975...
2-3/ مظاهر الحرب الباردة الثانية
(1979- 1989)
بعد مرحلة التعايش السلمي عاد التوتر
من جديد ليسود بين الكتلتين، انطلق مع الغزو السوفياتي لأفغانستان سنة 1977. تجلى
في عدة مجالات:
+ في المجال العسكري: توقف المفاوضات حول تخفيض الأسلحة وعودة التسابق نحو
التسلح (صواريخ حديثة متطورة، نشر أسلحة الليزر في الفضاء الكوني من طرف الاتحاد
السوفياتي، برنامج حرب النجوم من طرف الولايات المتحدة الأمريكية)
+ في المجال السياسي: عودة السعي إلى اكتساب
مناطق نفوذ جديدة في العالم، والتدخل في العديد من مناطق العالم بشكل أفضى إلى
قيام نزاعات إقليمية. إلى جانب استعمال كل من القطبين لحق النقض في مجلس الأمن
خدمة للمصالح.
+ في المجال الرياضي: السعي لتحقيق إنجازات
وانتصارات في المجالات الرياضية، ومقاطعة الولايات المتحدة للألعاب الأولمبية
بموسكو سنة 1980 ومقاطعة الاتحاد السوفياتي للألعاب الأولمبية بلوس أنجلس سنة
1984.