المجال العالمي والتحديات الكبرى:
التحدي السكاني، التحدي البيئي
تقديم إشكالي
أصبحت ساكنة العالم تتضاعف بوثيرة سريعة جدا وخاصة منذ سنة 1950، حيث كانت ساكنته تقدر ب 6.5 مليار نسمة، ومن المرتقب أن تصل إلى 8.2 مليار نسمة بحلول سنة 2025، هذا التزايد يطرح شكلين من التحديات، أولا، توفير الغذاء ل 8.2 مليار نسمة، وتحقيق تنمية شاملة تضمن حمايتهم من الفقر، ثانيا، إيجاد حل ناجع للتدهور البيئي في العالم الناتج عن ضغط السكان.
فما التحديات السكانية والبيئية للمجال العالمي؟ وما طبيعة العلاقة بينهما؟
1/ الوضع السكاني بالمجال العالمي وتحدياته
1-1/ شهد المجال العالمي انفجارا ديمغرافيا منذ منتصف القرن العشرين
شهد المجال العالمي انفجارا ديمغرافيا سريعا خلال العقود الأخيرة، حيث انتقلت ساكنة العالم من 3 مليارات نسمة سنة 1950 (منتصف القرن 20) إلى 7,5 مليار سنة 2018، ومن المنتظر أن يصل العدد إلى 9,5 مليار نسمة سنة 2050.
ومن الملاحظ أن وتيرة النمو الديمغرافي تختلف بين دول الشمال ودول الجنوب، فدول الشمال تسجل تزايدا سكانيا ضعيفا (انتقلت ساكنة أوربا من 656 مليون سنة 1970 إلى 740 في 2010، ويرجع ذلك إلى كونها تعرف نظاما ديمغرافيا عصريا يتميز بانخفاض معدلي الولادات والوفيات معا، الشيء الذي انعكس على تركيبة البنية العمرية المكونة اليوم من 14% أطفال و23% شيوخ (و63% قادرون على العمل).
أما بالنسبة لدول الجنوب فهي تعرف تزايدا سكانيا سريعا، حيث انتقل عدد سكان لإفريقيا مثلا من 360 مليون نسمة سنة 1970 إلى أكثر من مليار نسمة في 2010، وذلك بسبب ارتفاع نسبة الولادات وانخفاض نسبة الوفيات وهو ما أدى إلى طغيان طابع الفتوة على بنيتها العمرية.
2-1/ يطرح الوضع السكاني مجموعة من التحديات الاقتصادية والاجتماعية
+ على المستوى الاقتصادي: يعتبر مشكل توفير الغذاء التحدي الرئيسي الذي يطرحه النمو الديمغرافي.
- تتمثل مظاهر التحدي في وجود مليارين من السكان يعانون من سوء التغذية و854 مليون نسمة يعانون من المجاعة. ويلزم توفير الغذاء الكافي لـ9.1 مليار نسمة في أفق سنة 2050، وذلك يتطلب زيادة الإنتاج حاليا بنسبة %30 ومضاعفة حجم الإنتاج في أفق سنة 2050.
+ على المستوى الاجتماعي: تعتبر المجاعة والفقر والبطالة والأمية أبرز التحديات التي يطرحها الوضع السكاني.
- ظاهرة المجاعة: تتركز بشكل كبير في دول إفريقيا جنوب الصحراء وجنوب شرق آسيا.
- ظاهرة الفقر: وصل عدد السكان الذين يعتبرون تحت عتبة الفقر 1.3 مليار نسمة. وتتركز حالات الفقر بالأساس في آسيا الجنوبية (%34.5) إفريقيا جنوب الصحراء (%24.3) آسيا الشرقية والمحيط الهادي (%23.2). ويتمثل التحدي في كيفية محاربة هذه الظاهرة وضمان وصول المساعدات المخصصة لهذا الغرض إلى مستحقيها.
- ظاهرة البطالة: تمس البطالة في العالم 195.2 مليون شخص وتتركز أغلب الحالات في لإفريقيا وآسيا. ويتمثل التحدي في توفير الشغل لهذه الأعداد من العاطلين.
- ظاهرة الأمية: تبلغ نسبة الأمية في العالم %20.3 وترتفع النسبة في الدول النامية (%36.4) بينما تكاد تنعدم في الدول المتقدمة (%1.2).
2/ الوضع البيئي بالمجال العالمي وتحدياته
1-2/ يشهد الوضع البيئي في العالم أشكالا متعددة من التدهور تهدد مستقبل البشرية
مع بداية القرن الحالي تزايدت الضغوط على الوسط البيئي من خلال استغلال موارده الطبيعية، ومن أبرز التحديات التي أصبحت تواجه العالم على المستوى البيئي:
+ تدهور الغطاء الغابوي: تتقلص المساحات الغابوية في العالم بمعدل 13 مليون هكتار سنويا بفعل عمليات الاجتثاث. وتتركز أشد حالات التدهور بأمريكا الجنوبية (4.3 مليون هكتار/السنة) تليها إفريقيا (4 ملايين هكتار/السنة). وتتطلب مواجهة هذا التحدي تكثيف عمليات التشجير.
+ الخصاص المائي: ويقصد به عدم كفاية الموارد المائية لتلبية الحاجات الاستهلاكية للسكان والزراعة والصناعة والسياحة ويحصل عندما تقل حصة الفرد عن 1.000 لتر/السنة. وتنعكس آثار هذا الخصاص على الأمن والسلام في العالم، حيث يهدد التحكم في الموارد المائية باندلاع حروب إقليمية. ولمواجهة هذا التحدي يجب تنويع مصادر المياه ونهج سياسات متوازنة لتقاسم الموارد المشتركة بين الدول.
+ التلوث الجوي: من أبرز مظاهر ارتفاع نسبة ثاني أوكسيد الكاربون في الغلاف الجوي، ويرجع إلى كثرة استخدام المحروقات. ويهدد هذا التركز بارتفاع درجة حرارة الأرض بفعل ظاهرة الانحباس الحراري. وتتركز أبرز حالات التلوث بثاني أوكسيد الكاربون في الدول الصناعية الكبرى وخاصة و.م.أ. ولمواجهة هذا التحدي ينبغي العمل على تقليل نسبة تركز ثاني أوكسيد الكاربون في الهواء.
2-2/ تعتبر التغيرات المناخية من أبرز التحديات التي يواجهها المجال العالمي
تعتبر ظاهرة الانحباس الحراري أبرز الظواهر البيئية التي أصبح يواجهها المجال العالمي، وتتمثل في تزايد تركز الغازات وخاصة ثاني أوكسيد الكاربون في الجو مما يؤدي إلى منع الإشعاع الأرضي من التسرب إلى الفضاء الخارجي فينتج عنه ارتفاع درجة حرارة الأرض.
ويتوقع الخبراء أن هذه الظاهرة ستؤدي إلى تغيرات مناخية كبيرة، منها: ارتفاع درجة حرارة الأرض عموما، انخفاض درجة الحرارة بعض المناطق بمعدل 3 درجات، وارتفاعها في مناطق بمعدل قد يصل إلى 8 درجات في المناطق القطبية، مما يهدد بذوبان الثلوج وإغراق المناطق الساحلية عبر العالم. كما يتوقع تغيير في توزيع التساقطات (انخفاض كمية التساقطات بالقارة الآسيوية وارتفاع كمياتها بالصحراء الإفريقية الكبرى)
ولمواجهة هذا التحدي يتم بذل مجهودات على المستوى العالمي، من أبرزها:
- مؤتمر "قمة الأرض" بريو دي جانيرو (1992) : الاتفاق على التقليل من الاضطرابات المناخية الناتجة عن التلوث الجوي.
- مؤتمر كيوطو باليابان (1997): تقليص انبعاث الملوثاث الجوية بنسبة %5.5 عما كانت عليه سنة 1990. وقد وقعت مجموعة من الدول على هذا الاتفاق، وتلتزم مجموعة من الدول بنسب متفاوتة بتخفيض ثاني أوكسيد الكاربون، في حين تمتنع أخرى وفي مقدمتها و.م.أ.
3/ يؤثر الوضع السكاني بشكل واضح في تدهور البيئة الطبيعية في العالم
+ أثر التزايد السكاني في تدهور البيئة الطبيعية:
هناك علاقة مباشرة بين التزايد السكاني وتدهور الوضع البيئي:
- على المستوى العالمي: مع تزايد السكان بوتيرة تصاعدية يتزايد الضغط على طلب الموارد الطبيعية.
- في الدول المتقدمة: رغم بطء وتيرة تزايد السكان فإن ارتفاع المستوى المعيشي يزيد من الضغط على موارد البيئة.
- في الدول النامية: يضاف إلى وتيرة تزايد السكان المرتفعة والسريعة التحسن المستمر لمستوى عيش السكان وتغير عاداتهم الاستهلاكية مما يزيد من الطلب على الموارد الطبيعية وتهديدها بالاستنزاف.
+ دور التنمية المستدامة في إعادة التوازن بين الوضع السكاني والوضع البيئي
تهدف التنمية المستدامة إلى تحقيق أهداف متكاملة بين العناصر الاجتماعية، الاقتصادية والبيئية:
- على المستوى الاجتماعي: تحقيق العدالة الاجتماعية، التماسك الاجتماعي، المشاركة الاجتماعية والحفاظ على الهوية.
- على المستوى الاقتصادي: تحقيق النمو الاقتصادي، زيادة الفعالية الاقتصادية وتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
- على المستوى البيئي: حماية البيئة، تدبير الموارد الطبيعية المتجددة والحفاظ على الموارد غير المتجددة.
ولتحقيق هذه أهداف التنمية المستدامة ينبغي العمل على: تطوير المصادر المتجددة وغير الملوثة للبيئة، التخطيط الجيد للمدن، وضع حد للأنشطة البشرية المدمرة للبيئة، تدبير الموارد المائية بشكل عقلاني، حماية المجالات الغابوية والقيام بعمليات التشجير، تدبير استغلال الموارد والثروات البحرية، تحسين الظروف الصحية للسكان، الحفاظ على التنوع الحيوي وحماية الكائنات الحية من الانقراض، التحكم في النمو الديمغرافي، والقيام بثورة خضراء جديدة...
خلاصة
تقع مسؤولية التحديات السكانية والبيئية على عاتف بلدان الشمال والجنوب معا، كما تتأثر هذه الدول بهذه التحديات بشكل متفاوت، مما يهدد مستقبل الحياة على الكوكب، وبالتالي ينبغي تكثيف الجهود للحد من تلك المخاطر وحماية الأجيال القادمة.