أزمة العالم الرأسمالي الكبرى لسنة 1929م
تقديم إشكالي
منذ خروجه من الحرب العالمية الأولى، شهد العالم أزمة اقتصادية كبرى انطلقت من الو.م.أ. وعمت باقي الدول الرأسمالية والمستعمرات.
فما مظاهر الأزمة الاقتصادية الكبرى لسنة 1929 وما عواملها المفسرة؟ وما آليات انتشار الأزمة قطاعيا ومجاليا؟ وما هي التدابير التي اتخذتها الدول المتضررة لمواجهة الأزمة؟
1_ وصف بعض مظاهر الأزمة الاقتصادية العالمية وتحديد العوامل المفسرة لاندلاعها
1_ 1_ مظاهر الأزمة الاقتصادية العالمية
انطلقت الأزمة الاقتصادية الكبرى يوم 24 أكتوبر 1929 (الخميس الأسود) من بورصة وول ستريت حيث عرض المضاربون ما يقارب 13 مليون سهم للبيع في سوق البورصة مما أدى إلى انهيار أسعارها بشكل كبير.
انتقلت الأزمة من البورصة إلى القطاع البنكي نتيجة امتناع الأبناك عن توفير القروض للمضاربين من أجل إنقاذ وضعيتهم.
1_ 2_ العوامل المفسرة لاندلاع الأزمة الاقتصادية العالمية
§ الأزمات الدورية: يعتبر تعاقب الأزمات الدورية من الخصائص المميزة للنظام الرأسمالي منذ نشأته في القرن 19، والتي تنتج عن التفاوت الكبير بين العرض والطلب، حيث أن أزمة 1929 تزامنت مع فترة انكماش اقتصادي.
§ آليات حدوث الأزمة: تنتج الأزمة من الأسس التي يقوم عليها النظام الرأسمالي، حيث يتولد عن المبادرة الحرة تضخم الإنتاج واشتداد المضاربة الذي يؤدي لانهيار قيمة الأسهم وإفلاس المؤسسات الصناعية والتجارية ثم انتشار البطالة وتراجع الطلب بفعل انخفاض القدرة الشرائية، فيترتب عن كل ذلك ركود اقتصادي يؤدي إلى الأزمة.
§ مخلفات الحرب العالمية الأولى: وقع الكساد في الاقتصاد الأمريكي بعدما لم تعد الو. م. أ. تجد مجالا لتصريف فائض الإنتاج بالأسواق الأوربية لأن هذه الدول تمكنت من إعادة إنعاش اقتصادها بعد الحرب العالمية الأولى.
§ مخلفات الرخاء الاقتصادي: أدى الرخاء المادي الذي عرفته الو. م. أ. بعد الحرب العالمية الأولى إلى تهافت مختلف فئات المجتمع على الحصول على القروض التي أصبحت توظف في عمليات المضاربة في البورصة، هذا التهافت على الاستثمارات والمضاربة في البورصة أدى إلى اختلال التوازن بين قيمة الأسهم في البورصة وقيمتها الحقيقية.
2_ مظاهر انتشار الأزمة الاقتصادية قطاعيا ومجاليا
2_ 1_ انتقال الأزمة من القطاع المالي إلى باقي القطاعات الاقتصادية
أدى انهيار قيمة الأسهم في بورصة وال ستريت إلى خسارة المساهمين وعجزهم عن سداد القروض فأدى ذلك إلى إفلاس الأبناك (5000 مؤسسة بنكية إلى حدود 1932).
وأدى توقف نظام القروض إلى تراجع الاستهلاك مما أسفر عن فائض الانتاج الفلاحي والصناعي وعن انهيار الأسعار بشكل كبير وركود المبادلات التجارية.
وكان لهذه الأزمة الاقتصادية نتائج وخيمة على المستوى الاجتماعي حيث ارتفع عدد العاطلين عن العمل (13 مليون عاطل في 1933) وتراجعت القدرة الشرائية للمواطنين، وفقد المزارعون أراضيهم أمام عجزهم عن تسديد ديونهم فضلا عن انتشار المظاهرات والاحتجاجات وكثرة حالات الانتحار والهجرة نحو المناطق الأقل تضررا بالو. م. أ.
2_ 2_ الانتشار المجالي للأزمة الاقتصادية العالمية
من خصائص الأزمة في النظام الرأسمالي أنها لا تقتصر على بلد واحد بل تنتقل من بلد لآخر بحكم الروابط والعلاقات الاقتصادية بينها، وهكذا انتقلت الأزمة الاقتصادية من الو.م.أ. إلى أوربا بعد سحب الو.م.أ. لودائعها المالية من الأبناك الأوربية وتوقيف وارداتها من البلدان أوربية، وانتقلت الأزمة من البلدان الاستعمارية الأوربية إلى المستعمرات المصدرة للمواد الأولية بفعل تراجع الطلب عليها.
وتجدر الإشارة إلى أن بعض الدول نجت من هذه الأزمة وخاصة الاتحاد السوفياتي ذو الاقتصاد الاشتراكي الموجه (سياسة التخطيط).
3_ أساليب مواجهة الأزمة من خلال نموذج الخطة الجديدة بالولايات المتحدة الأمريكية
3_ 1 تدابير الخطة الجديدة (النيوديل)
يقصد بالنيوديل أو الخطة الجديدة السياسة الإصلاحية التي وضعها الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت بهدف معالجة الأزمة الاقتصادية، وقد امتدت من 1933 إلى 1938 وشملت الاجراءات التالية:
§ إصدار قانون الإنقاذ البنكي بإعادة السيولة النقدية للأبناك تخفيض قيمة الدولار (بأكثر من النصف)، وتخفيض الرسوم على القروض.
§ إصدار قانون الإصلاح الفلاحي الذي يهدف إلى التخفيض من الانتاج وتقليص المساحات المزروعة لرفع الأسعار من جديد، وتقديم الدعم المالي للفلاحين بهدف تسديد الديون واسترجاع الأراضي المحجوزة.
§ إصدار قانون الإصلاح الصناعي بمنع تشغيل الأطفال، وضع حد أدنى للأجور.
§ إصدار قانون التجارة الذي يقضي بفرض سياسة حمائية تجاه الواردات وتخفيض قيمة الرسوم الجمركية على الصادرات.
§ خلق المشاريع الكبرى لامتصاص البطالة مثل بناء السدود، ترميم المدن، بناء الجسور، عمليات التشجير...
3_ 2 حصيلة تنفيذ الخطة الجديدة بالولايات المتحدة الأمريكية.
§ على المستوى التنظيمي: تحول الرأسمالية الأمريكية من رأسمالية مطلقة إلى رأسمالية موجهة بتزايد تدخل الدولة في الاقتصاد لإعادة التوازن إلى الاستثمار والإنتاج والاستهلاك.
§ على المستوى الاقتصادي: ارتفاع مؤشر الإنتاج الصناعي (من 64 إلى 80) مؤشر أسعار المنتجات الفلاحية (من 49 إلى 65)...
§ على المستوى الاجتماعي: ارتفاع مؤشر الأجور (من 67 إلى 89) تراجع أعداد العاطلين (من 12.6 إلى 9.9 مليون) تحسن مستوى عيش السكان...
خلاصة:
أدت أزمة 1929 إلى تدهور الوضعية الاقتصادية والاجتماعية للدول الرأسمالية، وساهمت في عودة التوتر إلى العلاقات الدولية مما جعل العالم يتجه نحو حرب عالمية ثانية.