الضغوط الإستعمارية على المغرب و محاولات الإصلاح خلال
القرن19م
مقدمة : تعرض المغرب
خلال القرن 19م لسلسلة من الضغوط العسكرية , الاقتصادية و السياسية , وقد تطلب ذلك
من المخزن المغربي ضرورة الاسراع بادخال عدة اصلاحات في المغرب.
فما هي أشكال الضغوط
الاستعمارية على المغرب ؟ و ما مجالات الإصلاحات بالمغرب خلال القرن19م ؟
I- أشكال الضغوط الاستعمارية على المغرب خلال القرن 19 م :
1_-
الضغوط العسكرية :
* معركة ايسلي : أو وقعة ايسلي ,ودارت
بين الجيش الفرنسي والجيش المغربي (قرب واد اسلي) قرب الحدود الشرقية بتاريخ 14
غشت 1844م، بسبب تقديم السلطان المغربي مولاي عبد الرحمان بن هشام الدعم العسكري
للأمير عبد القادر الجزائري أثناء مقاومته للاحتلال الفرنسي، وترتب عن المعركة
نتائج كارثية، تمثلت في الكشف عن ضعف القوة العسكرية للمغرب ، وتوقيع معاهدة الصلح
1844م، ومعاهدة للا
مغنية 1845م، التي تركت الحدود بين
المغرب والجزائر غامضة انطلاقا من «تنية الساسي» في اتجاه الجنوب، بحجة أنها صحراء
من أجل استغلالها في عملية الغزو الفرنسي مستقبلا.
* حرب تطوان : استمرت لحوالي ثلاثة أشهر ما بين 1859 و1860م، بسبب إقدام «قبيلة أنجرة» على
هدم بنايات شيدها الإسبان خارج حدود سبتة، ولم ينسحب الجيش الإسباني إلا بعد توقيع
معاهدة صلح 1860م، والتي نصت على فرض غرامة مالية كبيرة قدرها 20 مليون ريال سببت
أزمة مالية انعكست سلبا على الوضعية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، وتوسيع
إسبانيا لحدود سبتة، وتشكيل شرطة إسبانية في الموانئ المغربية لأداء نصف الغرامة
المالية، والسماح لإسبانيا ببناء ميناء للصيد بالسواحل الجنوبية.
2_مظاهر الضغط الاستعماري الديبلوماسي على المغرب خلال القرن
19
أ_لجأت إنجلترا إلى توقيع اتفاقيات لفرض
امتيازات اقتصادية:
شرع المغرب في التخلي عن
سياسة الاحتراز ( العزلة ) ، و بالتالي تم التوقيع على اتفاقية الصداقة و معاهدة
تجارية بين المغرب و ابريطانيا سنة 1856 التي منحت للإنجليز عدة امتيازات من بينها
حق الاستقرار بالمغرب و مزاولة التجارة و امتلاك العقارات ، و التزام المغرب
بإلغاء القيود الجمركية المعروفة باسم الكونطرادات وتحديد قيمة الرسوم الجمركية في
10% فقط , فضلا عن منح الحماية القنصلية للوسطاء المغاربة( المحميون ).
وقد فتحت الاتفاقية التجارية السوق المغربية أمام
المنتوجات الإنجليزية، فألحقت أضرارا بالصناعات الحرفية المغربية بسبب تصدير
المواد الخام إلى أوربا.
ب_ عقدت فرنسا
و المغرب تسوية بيكلار .
لجأت فرنسا إلى عقد اتفاقية «بيكلار» سنة 1863م،
ونصت على توسيع نطاق الحماية القنصلية(الفردية)، مما جعل المغاربة
يترددون على الأوربيين لشراء عقود الحماية الفردية بهدف التملص من ضرائب المخزن،
فانعكس ذلك سلبا على الوضعية المالية والسياسية للبلاد، وقد حاول السلطان مولاي
الحسن مفاوضة الأوربيين , فتم عقد مؤتمر مدريد.
3- مؤتمر مدريد :
* انعقد مؤتمر مدريد سنة
1880 بحضور ممثلي الدول الأوربية و الولايات المتحدة الأمريكية و المغرب . و قد خرج هذا
المؤتمر بقرارات أكدت على الامتيازات الأوربية , و من أهمها منح
الأجانب حق شراء العقارات في المغرب ,و تأكيد الحماية القنصلية ، كما نص المؤتمر
على منح المحميين امتيازات منها عدم الخضوع للقانون المغربي و بالتالي عدم
أداء الضرائب والرسوم الجمركية و الغرامات و الخدمة العسكرية .
وقد
خلفت الضغوط الاستعمارية عدة نتائج منها : تزايد عدد المحميين،
و انخفاض مدا خيل الدولة المغربية و تراكم ديونها, وتغلغل رأس المال الأوروبي، و
إفلاس التجار و الحرفيين المغاربة .
II- اصلاحات المخزن خلال
القرن 19 و عوامل فشلها :
تمت جل الإصلاحات
في عهد السلطانين محمد بن عبد الرحمان ( 1859- 1873 ) و الحسن الأول ( 1873 – 1894
) ، و يمكن تحديدها على الشكل الآتي :
*إصلاحات
عسكرية : أرسلت الدولة المغربية بعثات طلابية إلى أوربا لمتابعة التكوين العسكري ، و
تم جلب أطرا أوربية لتدريب الجيش المغربي، وعمل المخزن على شراء الأسلحة الحديثة و
تشييد مصنعين للأسلحة ( فاس و مراكش )، و إنشاء الأسطول الحربي لحماية السواحل
*إصلاحات
اقتصادية : : تمثلت في إدخال مزروعات جديدة كالقطن و قصب السكر ، وخلق
بعض الصناعات الحديثة كالورق ، و ترميم الموانئ و تجهيزها و المشاركة في معرض باريس التجاري الدولي.
*إصلاحات
مالية : عينت الدولة أمناء ( رؤساء الجمارك) في المراسي و خصصت لهم أجورا و فرضت عليهم المراقبة وذلك لتفادي
التهريب و الرشوة . كما أحدثت الدولة إدارة مالية مركزية يرأسها وزير
المالية, كما فرضت الدولة ضرائب متعددة منها مكوس المدن و الأسواق،وضريبة الترتيب.
و من جهة اخرى, قبلت الدولة المغربية ضرب النقود في
أوربا كما قبل المخزن تداول العملات الفرنسية و الاسبانية داخل البلد ، و رفعت من
قيمة العملة الوطنية و حاربت تزويرها أو تهريبها . كما أنشأت دار السكة.
*إصلاحات إدارية : تم تحديد مهمة الصدر الأعظم في
التفرغ للشؤون الداخلية بينما اوكلت مهمة الشؤون الخارجية لوزارة الشؤون البرانية
، و إحداث وزارات جديدة ( كوزارة الدفاع و العدل )
*إصلاح التعليم : أسست الدولة المغربية مدرسة عصرية لتلقي العلوم الحديثة و خصصت منحا و
مكافآت للطلبة المتفوقين ، و أرسلت بعثات طلابية إلى أوربا .
لقد تميزت هذه الاصلاحات ب "
محدوديتها " حيت فشلت كل هذه المحاولات الاصلاحية لعدة أسباب منها :
* عوامل خارجية: تمثلت في فرض غرامة مالية على المغرب بعد حرب
تطوان ,وحماية السفراء و القناصل الأوربيين لبعض المغاربة(المحميون)الذين كانوا
معفيين من أداء الضرائب,ثم لجوء الأوروبيين إلى أساليب الغش في التعامل التجاري مع
المغرب.
* عوامل داخلية : من أبرزها تزايد عدد المحميين ، و معارضة
زعماء القبائل و الزوايا و الفقهاء لهذه الإصلاحات التي تضر بمصالحهم
وبالتالي قيام بعض الثورات مثل ثورة الدباغين بفاس . بالإضافة حدوث بعض
الكوارث الطبيعية .
خاتمة : أدى فشل هذه الاصلاحات
الى تزايد الضعوط الاستعمارية على المغرب و التي ستؤدي الى احتلال المغرب رسميا
سنة 1912 بموجب اتفاقية الحماية.