النظام العالمي الجديد والقطبية الواحدة
إشكالية الوحدة
ابتداء من سنة 1989 توالى انهيار أنظمة الحكم بدول أوربا
الشرقية بشكل أفضى إلى زوال المعسكر الاشتراكي، لتدخل العلاقات الدولية مرحلة
النظام العالمي الجديد القائم على هيمنة القطب الواحد.
- فما هي مظاهر تفكك المعسكر الاشتراكي؟
- ما هي مميزات النظام العالمي الجديد؟ وما هو دور القطبية
الواحدة داخله؟
1/ انهيار المعسكر الاشتراكي وبداية
النظام العالمي الجديد.
1-1/ مظاهر تفكك المعسكر الشرقي
بألمانيا الشرقية والاتحاد السوفياتي.
1-1-1/ توحيد الألمانيتين.
+ في شهر نونبر 1989 تم تحطيم جدار
برلين الذي ظل يقسم المدينة منذ سنة 1961 إلى شطرين: برلين الشرقية عاصمة جمهورية
ألمانيا الديمقراطية (الشرقية) وبرلين الغربية تابع لجمهورية ألمانيا الفيدرالية
(الغربية).
+ في شهر ماي 1990 تم توقيع اتفاقية
توحيد الألمانيتين التي نصت على:
- إعلان ألمانيا دولة موحدة تمتد سيادتها
على أراضي ألمانيا الديمقراطية وألمانيا الفيدرالية وفق الحدود المعترف بها دوليا.
- العمل على تصفية الوجود السوفياتي
فوق أراضي ألمانيا الديمقراطية وبرلين الشرقية في أجل أقصاه نهاية سنة 1994.
- العمل على إنهاء حقوق ومسؤوليات كل
من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وإنجلترا والاتحاد السوفياتي في برلين
وألمانيا.
2-1-1/ تفكك الاتحاد السوفياتي:
+ في 8 دجنبر 1991 تمت المصادقة على إعلان
منسك الذي نص على تفكك الاتحاد السوفياتي وقيام رابطة الدول المستقلة
وهي الجمهوريات المستقلة عن الدولة المركزية للاتحاد السوفياتي.
+ في 25 دجنبر 1991 أعلن آخر رؤساء
الاتحاد السوفياتي ميخائيل كورباتشوف عن وضع حد لمهامه كرئيس للاتحاد
السوفياتي المنهار. وقد حدد مبررات هذا الإعلان في:
- تحقيق مطالب الشعب في إجراء انتخابات
حرة وممارسة حرية الصحافة والحريات الدينية، وإقرار حقوق الإنسان كمبادئ أساسية.
- المؤسسات التمثيلية التعددية أصبحت
تحل محل مؤسسات الحزب الواحد (الحزب الشيوعي).
- تحقيق الحرية الاقتصادية من خلال
حرية الاستثمار وحق الملكية الفردية.
- زوال مظاهر الحرب الباردة من خلال
تلاشي التهديد بحرب عالمية جديدة، وتوقف التسابق نحو التسلح...
=> بتوحيد الألمانيتين وتفكك الاتحاد السوفياتي بدأ انهيار
المعسكر الاشتراكي.
2/ تفكك المعسكر الاشتراكي في باقي دول
أوربا الشرقية.
+ تشيكوسلوفاكيا: شهدت تحولا سلميا هادئا من
دولة تدور في فلك الاتحاد السوفياتي إلى دولة مستقلة انطلاقا من رغبة السكان في التحرر
وعدم قدرة الاتحاد السوفياتي على الوقوف في وجه هذه المطالب. وهكذا تم وضع نظام
تعددي (29 نونبر 1989) وإلغاء نظام الجمهورية الشعبية (20 أبريل 1990) وإجراء
انتخابات تشريعية حرة (9 يونيو 1991). وابتداء من فاتح يناير 1993 انقسمت
تشيكوسلوفاكيا إلى دولتين منفصلتين: جمهورية تشيك وجمهورية سلوفاكيا.
+ هنغاريا: تحولت بدورها من دولة نخضع
لنظام ديمقراطي شعبي إلى دولة تعتمد النظام التعددي أشرفت على تحقيقه محكمة دستورية
اعتمادا على مرجعيات الدستور والقانون الدولي. وهكذا تم إجراء انتخابات تشريعية
حرة (8 أبريل 1989) وتأسيس نظام تعددي (18 أكتوبر 1989) وإلغاء نظام الجمهورية
الشعبية (23 أكتوبر 1989)
+ شهدت كل من رومانيا وبولونيا وبلغاريا
تحولات مماثلة خلال نفس الفترة (1989- 1991)
=> بتحول باقي دول أوربا الشرقية من نظام الديمقراطيات الشعبية نحو النظام
الديمقراطي التعددي تفكك المعسكر الاشتراكي بشكل نهائي وبدأت تظهر ملامح النظام
العالمي الجديد
3-1/ مميزات النظام العالمي الجديد
+ بداية النظام العالمي الجديد: في سنة 1991 أعلن الرئيس
الأمريكي جورج بوش (الأب) عن نهاية نظام القطبية الثنائية وتأسيس نظام عالمي جديد.
+ مبادئ النظام العالمي الجديد: حدد مؤتمر قمة أعضاء مجلس
الأمن في 31 يناير 1992 مبادئ النظام العالمي الجديد في:
- رفض الإيديولوجيات كأساس للعلاقات
الدولية واعتماد مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان بدل ذلك؛
- نبذ العنف الدولي من خلال مواجهة
الدول التي تخرج عن إرادة المجتمع الدولي؛
- تقوية دور الأمم المتحدة من خلال
تفعيل دور مجلس الأمن ومنح الأمين العام للأمم المتحدة صلاحية أكثر للحفاظ على
السلم والأمن الدوليين؛
- الدبلوماسية الوقائية من خلال مساعي
الأمين العام والجمعية العامة والوكالات التابعة الأمم المتحدة من أجل التخفيف من
التوترات الدولية.
+ مميزات النظام العالمي الجديد:
- على المستوى العسكري: مراقبة التسلح في بعض
الدول (كوريا الشمالية وإيران) انتشار القواعد العسكرية الأمريكية (السعودية، قطر)
وتوسيع حلف شمال الأطلسي بانضمام دول من حلف وارسو سابقا (بولونيا، هنغاريا
وجمهورية تشيك).
- على المستوى السياسي: هيمنة الولايات المتحدة
على السياسة الدولية، التحكم في قرارات الأمم المتحدة، فرض الحصار على الدول
الخارجة عن إرادة السياسة الأمريكية، التدخل في المنتديات الدولية والجهوية.
- على مستوى العلاقات الدولية: تزايد التوترات في العديد
من مناطق العالم في شكل نزاعات بدوافع دينية وإستراتيجية جهوية (بين الهند
وباكستان، بين الصومال وإثيوبيا) وحروب أهلية عرقية (بوراندي، رواندا) وتزايد عدد
اللاجئين في العالم بسبب الفقر والمجاعات والحروب الأهلية، وحدوث مجازر وحروب
إبادة (مسلمو البوسنة، قبائل الهوتو والتوتسي).
=> تم وضع النظام العالمي الجديد بشكل يكرس هيمنة الولايات
المتحدة على الشؤون العالمية: نظام القطبية الواحدة.
2/ نظام القطبية الواحدة: المظاهر،
وسائل الهيمنة وردود الفعل
1-2/ وسائل الهيمنة السياسية
والدبلوماسية للقطب الواحد على العالم
+ الوسائل السياسية: تمارس الولايات المتحدة
الأمريكية هيمنتها السياسية على العالم من خلال:
- فرض الحصار الاقتصادي: تمارسه من خلال التلويح
بتشديد العقوبات، الحرمان من التزود ببعض الصناعات المتطورة والمواد الغذائية، منع
الشركات متعددة الجنسية من الاستثمار بهذه الدول.
- فرض العزلة السياسية: تمارسه من خلال سحب
تمثيلها الدبلوماسي، منع دبلوماسيي الدول المعنية من التنقل في الخارج وحضور
المنتديات الدولية وتجميد أرصدتها المالية في الخارج.
+ الوسائل الدبلوماسية: تتمتع الولايات المتحدة
الأمريكية بهيمنة واسعة على الساحة الدبلوماسية الدولية، من خلال:
- توظيف قرارات مجلس الأمن الدولي: تعمل الولايات المتحدة
على استصدار قرارات أممية لمنع بيع المنتجات التكنولوجية والغذائية والأسلحة وغير
ذلك للدول الخارجة عن إرادتها أو المتهمة بخرق حقوق الإنسان أو رعاية الأنشطة
الإرهابية أو السعي لامتلاك تكنولوجيا نووية.
- توجيه تدخل قوات حفظ السلام الأممية: عملت الولايات المتحدة
على توجيه الأمم المتحدة نحو تنظيم عمليات حفظ السلام وإرسال قوات أممية إلى
العديد من مناطق التوتر في العالم خدمة لمصالحها ومصالح حلفائها (ليبيريا، أنغولا،
البوسنة الهرسك، كرواتيا...)
- التدخل المباشر دون موافقة الأمم المتحدة: لجأت الولايات المتحدة في
حالة عدم نجاحها في استصدار قرارات أممية إلى التدخل المباشر واستخدام القوة
العسكرية دون الحاجة إلى موافقة الأمم المتحدة كما حدث عند غزو العراق سنة 2003.
2-2/ مظاهر التدخل العسكري كوسيلة لفرض
هيمنة القطب الواحد على العالم
+ التدخل العسكري في إطار هيئة الأمم
المتحدة:
بعد زوال نظام القطبية الثنائية والإكراهات التي كان يفرضها التوازن الاستراتيجي
بين المعسكرين أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية تعمل على تكوين تحالفات دولية تحت
غطاء الأمم المتحدة للتدخل العسكري في العديد من مناطق العالم بدعوى حماية العالم
من الأخطار التي تهدده كالإرهاب وامتلاك أسلحة الدمار الشامل. وتستند في الحصول
على هذا الدعم على المادة 42 من الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يجيز
استخدام القوة العسكرية لتطبيق قراراته في حالة عدم جدوى التدابير السلمية.
+ التدخل العسكري في إطار حلف شمال الأطلسي: تشكل الولايات المتحدة
الأمريكية قوة بارزة داخل حلف شمال الأطلسي بفعل امتلاكها لقوة عسكرية كبيرة
وإمكانات استخباراتية هائلة ومراقبة بواسطة الأقمار الاصطناعية. وتستغل هذه القوة
وبنود الحلف التي تنص على التدخل العسكري لدعم أي دولة عضو تعرضت لاعتداء خارجي
لتفرض على حلفائها التدخل إلى جانبها عند القيام بعمليات عسكرية كما حدث في
أفغانستان (2001) تحت غطاء الأمم المتحدة، والعراق (2003) دون موافقة الأمم
المتحدة.
3-2/ ردود الفعل إزاء هيمنة القطب
الواحد على العالم
+ داخل الأمم المتحدة: تتمثل أبرز ردود الفعل في
مطالبة الدول الفقيرة بنظام عالمي عادل، وتنسيق مواقف الدول المعارضة في مواجهة
هيمنة القطب الواحد، واعتراض كل من فرنسا وألمانيا وروسيا على غزو العراق سنة
2003، واختلاف مواقف أعضاء مجلس الأمن من السياسة الأمريكية تجاه البرنامج النووي
في كل من كوريا الشمالية وإيران.
+ داخل بعض الدول: تتخذ بعض الدول مواقف
معارضة لهيمنة القطب الواحد مثل الأنظمة اليسارية (فنزويلا) والمحافظة (إيران).
+ منظمات المجتمع المدني: تواجه فعاليات المجتمع المدني من فئات
مثقفة وجمعيات معارضة للعولمة والنظام العالمي الجديد بمختلف الوسائل كتوقيع
العرائض والتظاهرات وغيرها.