المغرب تحت نظام الحماية
مقدمة
خضع المغرب في الفترة الممتدة بين 1912 و1956 للحمايتين الفرنسية والاسبانية، وقسم إلى ثلاث مناطق للنفوذ الأجنبي، فرنسي وإسباني ودولي في مدينة طنجة، وأمام هذا الوضع قامت القبائل المغربية بتنظيم مقاومات مسلحة ضد الاحتلال الأجنبي كبدته خسائر فادحة لكنها اضطرت للتوقف.
فما السياق التاريخي لفرض الحماية على المغرب؟ وماالأسس والأجهزة التي ارتكز عليها نظام الحماية؟ وما أهم حركات المقاومة المغربية؟ وما العوامل المفسرة لتوقفها؟
1 - السياق التاريخي لفرض نظام الحماية على المغرب
1_ 1_ جاء فرض الحماية على المغرب في سياق دولي تميز بالتنافس حوله
مثل المغرب خلال نهاية القرن 19 ومطلع القرن 20 مجالا لتنافس حاد بين القوى الاستعمارية الأوربية الراغبة في مزيد من الأسواق لتصريف فائض إنتاجها الصناعي وجلب المادة الأولية.
وقد مهدت فرنسا لاحتلال المغرب بعقد اتفاقات ثنائية مع الدول الامبريالية، كان أولها مع إيطاليا في 1902 اعترفت لها بموجبه بحقوقها في ليبيا مقابل اعتراف إيطاليا لفرنسا بحقوقها في المغرب، أما الثاني وهو الاتفاق الودي مع إنجلترا سنة 1904 فقد تم بموجبه إطلاق يد إنجلترا في مصر مقابل حرية تصرف فرنسا في المغرب.
وعلى إثر أزمة طنجة في 1905 تم عقد مؤتمر الجزيرة الخضراء في 1906 الذي منح فرنسا واسبانيا مزيدا من الامتيازات في المغرب ثم شرعتا في احتلال مناطق من المغرب بين 1907 و1911 ليتجدد الصراع بين فرنسا وألمانيا في أزمة أكادير التي انتهت باتفاق ثنائي سنة 1911 يرضي الطرفين، وبذلك سارعت فرنسا إلى فرض حمايتها على المغرب يوم 30 مارس من سنة 1912.
1_2_ساهم تدهور الأوضاع الداخلية للمغرب في توقيع معاهدة الحماية
عانى المغرب في أواخر القرن 19 وأوائل القرن 20 من اضطرابات سياسية واقتصادية واجتماعية سهلت تغلغل الأطماع الأجنبية إليه، فبعد وفاة السلطان الحسن الأول سنة 1894 خلفه ابنه السلطان عبد العزيز الذي لم يكن يتجاوز 14 سنة، وبحكم صغر سنه وشغفه بالملاهي ووفاة وصيه الصدر الأعظم باحماد سنة 1900، اضطرب الوضع السياسي في المغرب بفعل التمردات التي قادها الجيلالي الزرهوني المدعو بوحمارة في الشرق (بين 1902 و1909) وأحمد الريسوني في الشمال (بين 1902 و1907).
وفي ذات الوقت اضطربت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية إثر اجتياح الجراد وتكرار المجاعات ونتيجة إغراق السلطان عبد العزيز لخزينة الدولة بالقروض الأوربية، الشيء الذي أدى إلى عزله ومبايعة أخيه السلطان عبد الحفيظ سنة 1908 بيعة مشروطة، إلا أنه لم يستطع مواجهة الضغوط الأجنبية، وبقبوله مقررات مؤتمر الجزيرة الخضراء انتفضت القبائل المغربية وحاصرت مدينة فاس في سنة 1911.
1_3_ نصت معاهدة الحماية على إدخال إصلاحات إلى المغرب
وقع المغرب في شخص المولى عبد الحفيظ على معاهدة الحماية مع فرنسا في 30 مارس 1912 وقد نصت على تأسيس نظام جديد بالمغرب مشتمل على إصلاحات سياسية ودبلوماسية واقتصادية...
Ø سياسيا: تعيين مقيم عام بالمغرب يتمتع بصلاحيات واسعة وله الحق في الموافقة على القوانين التي تصدر باسم السلطان لكي تصبح سارية المفعول.
Ø دبلوماسيا: انفراد فرنسا بمفاوضة اسبانيا حول المناطق التي ستحتلها الأخيرة في المغرب، والتزام نواب فرنسا بتمثيل المغرب في الخارج.
Ø اقتصاديا: وضع تنظيم مالي يسمح بجباية مداخيل المملكة بانتظام، وتعهد السلطان بألا يعقد أي قرض مستقبلا أو يمنح امتيازا من غير موافقة فرنسا.
Ø عسكريا: شروع فرنسا في الاحتلال العسكري للمناطق المغربية التي تشهد اضطرابات.
2_ مكونات الأجهزة الإدارية للمغرب في عهد الحماية
2_1_ أسندت فرنسا لاسبانيا إدارة منطقة نفوذ لها في شمال وجنوب المغرب
بناء على الاتفاق الودي الفرنسي الإنجليزي لسنة 1904 والقاضي بضرورة إشراك اسبانيا في النفوذ المغربي، وقعت فرنسا واسبانيا في نونبر سنة 1912 اتفاقا ثنائيا نص على منح اسبانيا المنطقة الشمالية إضافة إلى المناطق الجنوبية مقابل سيطرة فرنسا على وسط المغرب (المغرب النافع)، كما اتفقتا على خضوع طنجة للإدارة الدولية.
2_2_ شهدت المنطقة السلطانية إدارة مزدوجة
احتفظت فرنسا بالإدارة المغربية الحاكمة وأحدثت إلى جانبها إدارة استعمارية تكونت من:
§ الإدارة المركزية: يرأسها المقيم العام وإلى جانبه الكاتب العام الذي يشرف على جميع الإدارات (إدارة الداخلية، المالية، التعليم، الفلاحة، الجمارك...).
§ الإدارة الجهوية: قسمت إلى سبعة أقاليم إما عسكرية (فاس ومكناس ومراكش) أو مدنية (وجدة والدار البيضاء والرباط) يرأس كلا منها قائد المنطقة.
§ الإدارة المحلية: تكونت من دوائر حضرية وقروية يرأسها مراقبون مدنيون (في المناطق المدنية) وضباط الشؤون الأهلية (في المناطق العسكرية).
أما الإدارة المخزنية فقد أصبحت صورية وتتكون فقط من السلطان الذي احتفظ بالسلطة الدينية وبتوقيع الظهائر، إلى جانبه الصدر الأعظم ووزير العدل ووزير الأحباس، ثم عدد من الباشوات والقوادعلى المستوى المحلي.
يعتبر المارشال ليوطي أول مقيم عام فرنسي بالمغرب بين سنوات 1912 إلى 1925، تميزت سياسته باحترام منطق الحماية حيث دافع عم إشراك أطر الإدارة المحلية في التسيير عوض إقصائهم نهائيا، إلا أن نظام الحماية تحول بعد إعفائه سنة 1925 إلى حكم مباشر همّش دور السلطان وبدأ في اتخاذ القرارات بشكل فردي.
2_3_ شهدت المنطقة الخليفية والدولية إدارة مزدوجة
تميزت الإدارة الاسبانية في المنطقة الخليفية كذلك بالتنوع، حيث ضمت إدارة مركزية يترأسها مندوب سام في تطوان وإدارة جهوية يترأسها مراقب الناحية وإدارة محلية يرأسها مراقب محلي أو ضابط عسكري، وتكونت الإدارة المغربية من خليفة للسلطان يساعده بعض الوزراء وعدة باشوات وقواد في النواحي.
خضعت منطقة طنجة لإدارة دولية بموجب مؤتمر باريس سنة 1923 وتكونت إدارتها من مجلس تشريعي يرأسه مندوب للسلطان، ومن لجنة للمراقبة مكونة من قناصل الدول الموقعة على مؤتمر الجزيرة، ومن سلطة تنفيذية يرأسها مدير يعتبر هو حاكم المدينة.
3_ المقاومة المسلحة المغربية في مواجهة الاستعمار
3_1_ امتدت المقاومة المسلحة المغربية بين 1912 و1934م
الزعماء وأهم المعارك |
القبائل المقاومة |
- أحمد الهيبة: بدأ الجهاد في ماي 1912، اتخذ تزنيت مقر حركته وتوجه منها إلى مراكش،انهزم أمام القوات الفرنسية في معركة سيدي بوعثمان سنة 1912 ثم واصل مقاومته إلى غاية وفاته. - مربيه ربه: واصل المقاومة بعد وفاة أخيه أحمد الهيبة إلى غاية 1934،خاض مع الاستعمار معارك عديدة. |
قبائل الجنوب والصحراء |
- موحى أوحموالزياني: قائد قبائل زيان، تزعم المقاومة بالأطلس المتوسط وهزم الفرنسيين في معركة لهري بعد حصارهم في13 نونبر 1914، وظل يقاوم حتى استشهاده سنة 1921. |
قبائل الأطلس المتوسط |
- محمد أمزيان: قاوم الاحتلال الإسباني وألحق بهم هزائم عديدة أهمها معركة إزحافن 1912. - محمد بن عبد الكريم الخطابي: تزعم المقاومة بالريف وهزم الإسبان في معركة أنوال يوم 21 يوليوز 1921، استسلم بعد تحالف القوات الإسبانية والفرنسية سنة 1926، ونفيه إلى جزيرة لاريونيون بالمحيط الهادي. |
قبائل جبالة والريف |
- عسو أوبسلام: تزعم المقاومة المسلحة ووحد قبائل صاغرو، وانتصر على الفرنسيين في معركة بوغافر سنة 1933، اضطر إلى الاستسلام حقنا لدماء أتباعه. |
قبائل الأطلس الكبير والصغير |
3_2_ توقفت المقاومة المسلحة بفعل عدة عوامل
بالرغم من عنف وقوة المقاومات المسلحة المغربية وانتصاراتها الباهرة إلا أنها توقفت سنة 1934 بفعل تضافر عدة أسباب من بينها:
· اعتماد القبائل المقاومة وزعماء المقاومة على أسلحة بسيطة وعلى جنود يفتقد معظمهم إلى الخبرة العسكرية.
· توفر الاحتلال على جيش نظامي وأسلحة حديثة.
· استعانة الاستعمار ببعض القبائل المغربية لمواجهة المقاومين.
· استخدام الاستعمار وخاصة في حرب الريف الغازات السامة.
خاتمة
لم تتوقف المقاومات المسلحة المغرية في ثلاثينيات القرن العشرين إلا وقد انطلقت حركات مقاومة جديدة تبنت العمل السياسي في المقام الأول.
مصطلحات:
الحماية: شكل من أشكال الاستعمار يقوم على ازدواجية الإدارة بين إدارة أجنبية ذات سلطة فعلية وإدارة محلية ذات سلطة شكلية
بوحمارة: هو الجيلالي الزرهوني، قاد الثورة ضد المخزن في المغرب الشرقي والريف الشرقي إلى غاية القضاء عليه سنة 1909م.